“إن ما خلفته هذه الحضارة من تراث مخطوط يُعتبر بالمقارنة بما خلفته الحضارات القديمة خصوصا منها اليونانية واللاتينية أضخمَ تراث علمي وأعظمَ ميراث فكري عَرفه تاريخ مختلف الحضارات الإنسانية [1]. وقد كانت المخطوطات في فترات من الخلافة الإسلامية تحفظ في خزائن المكتبات الإسلامية كبيت الحكمة في بغداد ومكتبات الخلفاء العباسيين والأمويين وغيرهم. [2]
ولكن هذا التراث العظيم قد تعرض أثناء الحروب و الفتن والغارات على العالم الإسلامي للتدمير والضياع والحرق، كالذي حصل في الزحف التتاري على بغداد فألقيت المخطوطات في نهر دجلة وأحرقت حتى اسودت مياه دجلة من مداد الكتب واحمرت من دماء القتلى [3]. كما تمثل العوامل الطبيعية كالرطوبة والأشعة الضوئية والحرارة والعوامل الكيميائية والبيولوجية مهددا لحفظ المخطوطات.
فإيمانا بمسؤولية حفظ التراث وصيانته وحمايته من العبث والتلف والضياع، تجد المخطوطات اليوم اهتماما متزايدا من الدول والمؤسسات والمراكز في العالمين الغربي والإسلامي حيث أنشئت أقسام خاصة بالترميم والحفظ والصيانة والمعالجة والرقمنة وأصبحت لصيانة التراث قواعد وطرق وتدابير متّبعة. كما وُظفت الوسائل التقنية وتكنولوجيا المعلومات في خدمة التراث المخطوط فظهرت عدة مشاريع تقنية لخدمة المخطوط العربي سنعرض أهمها في هذا المقال.
أهم المشاريع الرقمية في خدمة المخطوطات
لخص الدكتور محمد حسني يحيى في محاضرته في الندوة العلمية: “مشاريع تقنية في خدمة اللغة العربية” التي أقامها مجمع اللغة العربية بمكة المكرمة أهم مجالات رقمنة المخطوطات في ما يلي [4]:
1- المسح الضوئي والتصوير الرقمي
يتيح المسح الضوئي والتصوير الرقمي للمخطوطات نقلَ رصيد المخطوطات على وسيط إلكتروني يساعد المستعمل على الاطلاع على المخطوط الرقمي دون الحاجة إلى الرجوع إلى المخطوط الأصلي مما يحمي المخطوط من التلف أو الحرق وغير ذلك. كما يساعد الباحثين على الوصول إليها عن بعد فيخفض جهد البحث وتكلفة الحصول على المخطوط [2].
وقد وضعت الجهات المختصة معايير دقيقة لمسح المخطوطات (400 نقطة/إنش) وإعدادات مناسبة للماسح من جهة الدقة والألوان ونوع الملف الناتج. [5]
– رقمنة فهارس المخطوطات
تتمثل الفهارس في تسجيل البيانات الوصفية للمخطوط كعنوانه واسم مؤلفه وتاريخ نسخه ونوع الخط وعدد أوراقه والأسطر في كل وجه وغير ذلك من البيانات. وقد تمت رقمنة عديد الفهارس منها:
3- مواقع وقواعد البيانات لتصفح المخطوطات وتحميلها
توجد عدة مواقع ومكتبات رقمية توفر المخطوطات كاملة للتصفح والتحميل ومجموعات ومنتديات أخرى نذكر منها أمثلة:
مركز ودود للمخطوطات: موقع متخصص في المخطوطات، مصنفة على الموضوعات –
4- تقنيات التعرف على النص الصوري آليا
تتمثل هذه التقنية في التعرف على نص المخطوط آليا وتحويله إلى نص مرقون قابل للتغيير والتعديل بواسطة “التعرف الضوئي على الأحرف” (Optical Character Recognition). يلخص الدكتور محمد حسني يحيى أهم مراحله في الصورة المرفقة. وقد عرفت لخطوط اللاتينية والصينية تقدما كبيرا في التعرف على الخطوط اليدوية والمخطوطات التاريخية في حين لم يكن متطورا بالنسبة للخط العربي لأسباب عدة تجد تفصيلها في مقالنا هذا. ولكن تطبيق زنكي أتى لحل هذا الإشكال وهو يوفر الآن إمكانية التعرف الآلي على المخطوط بعدة أنواع للخطوط كخط النسخ وخط التعليق والخط المغربي وغيرها من الخطوط. ويوفر التطبيق أيضا التعرف الآلي على نصوص المطبوعات سواء الحديثة وكذلك القديمة المطبوعات بالطباعة الحجرية وغيرها.
5- البحث في الصور استنادا على المحتوى
وذلك بالبحث عن كلمات في المخطوط باستخدام صور الكلمات وهي مناسبة لمن يبحث عن الكلمات المفاتيح في المخطوطات كنصوص الأحاديث أو لمعرفة بدايات الفصول ونهاياتها وغير ذلك. من البرامج المفيدة لذلك برنامج النظام SIAT الذي يسمح بتصفح المخطوطة ومعالجة صور الصفحاات ويقدم خاصية البحث باستخدام صورة للكلمة. وهنا نشير أيضا أن تطبيق زنكي عملية البحث هذه كثيرا فهو يوفر بعد التعرف الآلي على النص المخطوط إمكانية البحث في النص المرقون وسيوفر قريبا إن شاء الله إمكانية البحث في المخطوط نفسه بواسطة نصوص لا بواسطة صور
خاتمة
تعددت جهود رقمنة المخطوطات في السنوات الأخيرة ويعتبر تطبيق زنكي لبنة من لبنات الصرح الرقمي الخادم للتراث العربي الإسلامي، إذ يأتي مكملا لخدمات التصوير الرقمي والمسح الضوئي والفهرسة الرقمية وقواعد البيانات وغير ذلك. ويمثل زنكي حلا فعالا للتعرف الآلي على نص المخطوطات المصورة وتحويلها آليا وفي وقت سريع جدا إلى نص مرقون قابل للتعديل والتحويل وغير ذلك.
المصادر
[1] أحمد شوقي بنبين، في الكتاب العربي المخطوط، ص 21
[2] عمر بن عراج، آليات الحفظ الحديثة للمخطوط العربي بين الواقع والآفاق، مجلة رفوف، العدد الرابع
[3] عبد العزيز بن محمد المسفر، المخطوط العربي وشيء من قضاياه، نقلا عن المصدر السابق ص 83
[4] الندوة العلميّة: “مشاريع تقنية في خدمة اللغة العربية”، رقمنة المخطوطات العربية، مجمع اللغة العربية مكة المكرمة، 07/2021
[5] Technical Standards for Digital Conversion
Of Text and Graphic Materials, The Library of Congress,
[6] المصادر الإلكترونية لتحقيق النصوص، د. محمود زكي، شبكة الألوكة