تمثل المخطوطات كنزا حضاريا وثقافيا يُعبّر عن عراقة الأمم ويُبرز ما توارثَته أجيالُها كابرا عن كابر. ويعتبر الكتاب العربي المخطوط بصفة خاصة من أهم ما يُمثل وجود الأمة العربية الإسلامية الحضاري، فـ”إن ما خلفته هذه الحضارة من تراث مخطوط يُعتبر بالمقارنة بما خلفته الحضارات القديمة خصوصا منها اليونانية واللاتينية أضخمَ تراث علمي وأعظمَ ميراث فكري عَرفه تاريخ مختلف الحضارات الإنسانية [1].
“هذا التراث الضخم الذي آل إلينا من أسلافنا صانعي الثقافة الإسلامية جَدير بأن نَقف أمامه وقفةَ الإكبار والإجلال ثم نسمو برؤوسنا في اعتزاز وشعور صادق بالفخر والغبطة والكبرياء » [2].
ولم نجد -فيما نعلم- وصفا للتراث أدق مما قاله شيخ المحققين الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله إذ قال [3]:
ثم قال -رحمه الله- [3] ” هذه بعضُ أسماءِ علومِهم وفي المكتبات العامة في العالم – وهي تناهز ألفا وخمسمائة على ما أحصاه الفيكونت فيليب دي طرازي في كتابه المسمى “خزائن الكتب العربية في الخافقين”- آثارً خالدةً خلودَ الأهرام وهي جديرة بأن يتعاقب المحققون على تمهيد السبيل للانتفاع بها والاستمداد منها “
فالكتاب العربي المخطوط يمثل أوضحَ الدَّلائل على تقدُّم المسلمين في مختلف العلوم، لذلك تجتهد كثير من المراكز في جمع هذا التراث النفيس وحمايته من التَّلف والضَّياع؛ فـ”بمدينة إسطنبول وحدها يوجد حوالي (124 ألف) مخطوطة معظمها لم يدرس من قبل، وما يوجد في مصر والمغرب وتونس، والهند، والجزائر وسائر المتاحف والمكتبات العالميَّة لا يقل شأوا.
وللأسف فإنَّ عددا كبيرا من هذه المخطوطات الَّتي زخرت بها المكتبات العربيَّة الإسلاميَّة في الماضي فُقد بسبب ما تعرَّضت له الدُّول الإسلاميَّة من حروب وفتن [4]، ويقدِّر بعض الباحثين ما بقي منها بحوالي ثلاثة ملايين مخطوط. [5]
وحقيق أن يُذكر أن المخطوطات المكتوبة بالخط العربي تُصنّف من جهة اللغة التي ألفت بها إلى [4]
مخطوطات بغير اللغة العربية: تركية عثمانية، فارسية، أوردية، تتارية (7000 مخطوط في تتارستان).
هذا ذكر مختصر وغيض من فيض عن التراث العربي الإسلامي المخطوط الذي لا يزال كثير منه بحاجة إلى التحقيق “ولا يزال محققو التراث، وهم المجاهدون المكافحون حقا، في حاجة ملحة إلى تيسير مهمتهم الشاقة الناصبة” [6]
وقد ظهرت في العالم العربي والإسلامي جهود مباركة ومشاريع ضخمة لرقمنة التراث المخطوط وحفظه يمثل تطبيق زنكي لَبِنَةً منها لإعادة إحياء الصرح العلمي العربي الإسلامي العظيم.
المصادر
[1] أحمد شوقي بنبين، في الكتاب العربي المخطوط، ص 21
[2] عبد السلام هارون، تحقيق النصوص ونشرها، مطبعة الخانجي، ط 6، 1995، ص 5-6
[3] عبد السلام هارون، إحياء التراث وما تم فيه، المجلة، العدد رقم 114، 1 يونيو 1966، ص17-18
[4] هارون بولقرينات، علم المخطوطات تعاريف واصطلاحات، مركز المالكية لتحقيق المخطوطات والدراسات الإسلامية، ص 1
[5] أيمن فؤاد السيد، الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، ص 1
[6] عبد السلام هارون، إحياء التراث وما تم فيه، المجلة، العدد رقم 114، 1 يونيو 1966، ص 30ِ